عن الأهداف والعوائق للكاتب السينمائي آرون سوركين

 

ترجمة وإعداد: محمد عبد اللطيف

كتابة النصوص السينمائية لا تختلف بين الروائية الطويلة أو القصيرة تظل القواعد تصلح لكليهما، هنا نقدم لكم نصائح لواحد من أهم كتاب الأفلام السينمائية.

هناك عدد لا بأس به من كتاب السينما يعتقدون أن كتابة السيناريو هو مرحلة تخلو من الإبداع، والإبداع الحقيقي يسبق مرحلة كتابة النص والمشاهد على الأوراق، الإبداع الحقيقي يكمن في اللحظة التي تبدأ بها في كتابة الفكرة أو القصة السينمائية وأختيار الحبكة والتيمة المناسبة لسرد حكايتك.

الكاتب السينمائي الكبير "آرون سوركين" يقدم لنا نصائح تتعلق بمرحلة كتابة الأفكار والقصص السينمائية، فحين تكون متأكداً وواثقاً من فكرتك ومتمكناً من شخصياتك لن تضل طريقك أثناء كتابة السيناريو.. 

جدير بالذكر أن "سوركين" بدأ مسيرته الفنية بكتابة المسرحيات حتى قدم تحفته (A Few Good Men) التي لاقت نجاحاً باهراً ومن ثم أتاحت له الفرصة ليتم تحويلها إلى فيلم رائع (بالعنوان ذاته) من بطولة توم كروز ودمي مور والممثل العظيم جاك نيكلسون.

منذ ذاك الحين قدم "آرون سوركين" العديد من الأفلام السينمائية الجماهيرية مثل (The American President)، (Malice)، ثم إنطلق في عالم التلفزيون فقدم (The West Wing)، (Studio 60 on the Sunset Strip)  والمسلسل الشهير (The Newsroom).

إلا أن الألفية الثالثة شهدت أهم الأفلام السينمائية التي قدمها "سوركين" وهي (Charlie Wilson's War) من بطولة توم هانكس وجوليا روبرتس، (Moneyball) من بطولة براد بيت وفيليب سيمور هوفمان، وأخيراً فيلم (The Social Network) بطولة جيسي إزنبريج وإخراج العظيم ديفيد فينشر وحصل سوركين عن ذلك الفيلم على جائزة الأوسكار لأفضل سيناريو متقبس عام (2011)، وآخر أعماله التي قدمها ككاتب ومخرج أيضاً كان الفيلم المرشح لجوائز الأوسكار (The Trail Of Chicago Seven).

ربما عرفت أكثر من اللازم عن كاتبنا العظيم، إذن نكتفي بهذا القدر وإليك بعض من نصائحه الماسية..


ما الذي يريده البطل؟

عليك أن تعرف جيداً تلك القاعدة التي سوف تبني عليها قصة الفيلم والتي تقول:

’’البطل يريد أن يحصل على شئ وهناك عائق ما يقف في طريقه ليمنعه من الحصول على مبتغاه.‘‘

دعنا نتخيل قصة بسيطة سوف تشرح لك كل شيء..

لقد تخرجت للتو من الجامعة وقررت أن تنطلق في رحلة عبر البلاد مع أصدقائك (لاحظ أن سوركين كاتب أمريكي ومفردات ثقافته تتناثر هنا  وهناك في أمثلته) ..

ربما تظن أن مجرد سرد تفاصيل الرحلة يجعل من هذه القصة نص سينمائي جيد.. ربما تعتقد أن هذا رائع!.. لا الأمر أبعد ما يكون عن هذا، في الحقيقة كي أنصت لك وأرغب في سماع المزيد من القصة يجب أن يكون لديك هدف وعائق.

إذن المشكلة في فكرة الفيلم هذه هي أنه ’’لا يجب أن تكون القصة حول القيام برحلة عبر البلاد فقط‘‘ بل يجب أن تكون هكذا:

’’شخص ممن يقومون بالرحلة (قد يكون البطل أو شخصية مساندة) عليه أن يصل إلى مكان ما بالتحديد في وقت محدد وليكن ستة أيام منذ بدء الرحلة‘‘.

ورحلتهم المقيدة بوقت محدد لا تمر بسهولة ويسر.. فهناك أشياء تعطلهم طوال الطريق، هناك طرق وعرة عليهم أن يسلكوها كي يصلوا إلى مقصدهم في الوقت المحدد.

عليك ككتاب لهذا النص السينمائي أن تتضيف عوائق كثيرة تعترض طريقهم.

سوف يسلكون طريقاً خاطئاً، أو يتعرضون للطقس السئ، وربما يلتقون بمشاغبين على الطريق يتحرشون بهم.. يمكنك أن تتخيل قدر لا بأس به من العوائق الصعبة التي تمنعهم من بلوغ مقصدهم في موعدهم وهم مرتاحو البال هانئون.

ربما سيكون عليك في مرحلة ما أن تصنع قصة جانبية كاملة تصلح كي تبعد الأبطال عن هدفهم الرئيسي وينشغلون بها لفترة لا بأس بها.. ومن ثم يكون عليك أن تعيدهم إلى طريقهم الصحيح.


الضغط على الهدف والعوائق:

إذن لقد أضفت عدد من الصعاب التي يجابهها أبطال القصة السينمائية ولكن كيف تعرف أن العوائق كافية ؟ أو إن كانت مناسبة لأحداث القصة؟ يجب أن تقوم بالضغط عليها وعصرها.. كيف ذلك؟! لنعود إلى المثال الذي ضربناه فيما سبق.. نعود إلى الرحلة على الطريق.

إن كان الهدف من الرحلة في بداية قصتنا السينمائية:

’’الأبطال بصدد القيام برحلة عبر البلاد من لوس أنجليس إلى نيويورك لزيارة أصدقائهم‘‘.. هو هدف ليس ضرورياً، ليس أمر حتمياً أو طارئاً من أجله عليهم أن يخوضوا الصعاب، فيمكنهم الذهاب في أي وقت لزيارتهم، ليس هناك وقت محدد عليهم أن يصارعوا الطريق والعوائق المختلفة كي يصلون إلى وجهتهم النهائية.

 هذا ليس سبباً كافياً نجعل المشاهد ينجذب من خلاله لقصة الفيلم ويقفز على حافة كرسيه من فرط الإثارة والحماس ويصرخ مشجعاً البطل ’’هيا هيا .. يمكنك أن تصل في ميعادك‘‘، عليك أن تصنع هدفاً ضرورياً وطارئاً ومهماً للبطل.


الأسهل قبل الأصعب:

لقد تخيلت العديد من المآزق التي يتعرض لها البطل في رحلته لبلوغ هدفه، عليك الآن أن تأخذ حذرك في وضع تصور للحلول التي يأتي بها البطل من أجل الخروج من تلك المآزق.

المشاهدين سوف يفكرون في أبسط الحلول لأزمات البطل وعليك أن تصل أولاً لهذه الحلول البسيطة وتعرضها عليهم كي نرى أنها لا تصلح في هذه الحالة والأمور أعقد مما نتصور.

 تخيل الآتي: 

’’على البطل أن يدفع عشرون دولاراً لحل إحدى المشكلات أو لتخطيه أحد العوائق فعندما يخرج محفظته لا يجد بها أية أموال.. عيه أن يعثر على الأموال من طريق آخر‘‘ وهكذا.. عليك أن تعرض على المشاهد ما توصل له البطل من حل بسيط للمشلكة ولكن في الحقيقة لم يكن الحل مثالياً.. وتظل المشكلة قائمة حتى تصنع لبطل قصتك حلول أخرى مبتكرة.

تذكر دائماً هؤلاء الأبطال ليس عليهم تخطي تلك العوائق دائماً ولكن يجب أن يراهم المشاهدين وهم يحاولون.

ننصحك بمشاهدة الفيلم الرائع (Nebraska) الصادر عام (2013) الذي ترشح لست جوائز أوسكار وهو شبيه إلى حد كبير بالمثال الذي ضربه "سوركين" وينتمي لفئة أفلام الرحلة أو دراما الطريق.. كذلك يمكنك مشاهدة الفيلم العربي الممتع "رحلة عمر" وهو من بطولة فاروق الفيشاوي ومديحة كامل ومن إخراج العظيم محمد خان.

نلتقي في الجزء القادم بالمزيد من النصائح.


إظهار الهدف والعائق في السيناريو: كيف؟

كيف نقوم بالإعلان عن الهدف.. ببساطة سوف نجعل الشخصية تقول ’’أنا أريد..‘‘ أو ’’أنا أحتاج .. ‘‘ ومن ثم يتبع تلك العبارة ما تريده.

يمكنك أن تبدأ من المشهد الاول في التصريح بالهدف والعائق معاً وتذكر دائماً يجب عليك أن تقوم بالضغط على الهدف لجعله قوياً وملحاً وضرورياً والضغط على العائق كي تجعل منه أمراً يصعب تخطيه.

يمكننا أن نعي منذ البداية بالهدف وبالعوائق ولدينا مثال بسيط هو:

’’على البطل إنقاذ الأميرة المختطفة في القلعة المطلة على بحيرة التماسيح.‘‘

فنعرف منذ البداية على البطل أن يخوض معركة مع التماسيح ثم مع حراس القلعة ثم يقاسي الأمرين في فتح باب الزنزانة التي تقبع بها الأميرة ثم نشهد على رحلة الهروب المثيرة بصحبة الأميرة من كل الاهوال التي تحيط بهما.

أيضاً هناك خيار آخر.. هو ’’ألا نعرف سوى القليل جداً في بداية الأمر عن العقبات التي تتكشف للابطال منذ بداية رحلتهم لتحقيق الهدف.. وكلما تخطوا عقبة ظهرت أخرى جديدة كلياً لم يكونوا على علم بها‘‘.

في سلسلة أفلام (mission impossible) من بطولة الممثل الشهير توم كروز، يستخدم كتاب السلسلة تلك الطريقة من الإفصاح عن أهداف البطل وفريقه المقدام وما ينتظرهم من صعاب تكاد تكون مستحيلة لإنجاز مهمتهم، وحين نعيش معهم تلك الرحلة التي نعرف خطورتها منذ البداية نفاجئ بالمزيد من العوائق التي تزيد من تعقيد المهمة وتكاد تصيبهم بالفشل.

أن تكون الأمور واضحة للمشاهدين هو أمر هام للغاية والتصريح به من قبل البطل أو الشخصيات المساندة أمر مسموح به وسوركين يشجع عليه.. 


إظهار الهدف والعائق في السيناريو: متى؟

في أي صفحة من السيناريو (أو في أي دقيقة) نفصح عن الأهداف ومتى تظهر العوائق؟

’’كل شئ غير ذا أهمية كبرى حتى تعلن عن هدف البطل، حينها فقط تبدأ القصة، ولن تحصل على صراع حتى تعلن عن العوائق.‘‘

كم من الوقت سوف يمنحنا المشاهدون كي نكشف عن أوراقنا، كي نعلن الهدف ونظهر العائق؟!

 شركات الإنتاج وشبكات التلفزيون يشجعونك على أن تجعل شيئاً ما غير مألوف يحدث في أول دقيقتين.. لتشحذ إهتمام المشاهد وتدخله إلى عالمك، كي ينسى منه وهو ومن أي أتى وينخرط بكامل حواسه في أحداث فيلمك.

 كلما أفصحت عن هدف بطل القصة السينمائية في وقت أبكر كلما تمكنت من المشاهد وأثرته.

يحكي "سوركين" بعض الأمور التي يجب عليك إدراكها بشكل جيد مما يجعلك تدرك أهمية المُشاهِد:

’’لقد بذل مُشاهد السينما مجهوداً كبيراً من أجل أن يجلس في صالة العرض المظلمة من أجل أن يشاهد فيلمك، ترك أبنائه في المنزل وربما إستدعى مربية كي تعتني بهم، ثم ترك منزله المريح وإرتحل حتى بلغ مقر دار العرض، وحجز تذاكر السينما الباهظة.. ولكن برغم كل مابذله من مجهود فإن مغادرة دار العرض أمر سهل ويسير، أو أن يمسك بالريموت ويغير القناة.. أنه أمر بسيط للغاية ولذا عليك أن تقدم للمشاهد أحداث مفجرة في أسرع وقت ممكن لشتحذ إهتمامه.‘‘


مثال من فيلم (butch cassidy and the sundance kid):

بشغف كبير يحكي سوركين عن فكرة ’’الإفصاح عن الهدف والعائق‘‘ في فيلم يعشقه من تأليف (William Goldman)وهو كاتب النص الحاصل على الأوسكار وهو من كتب من قبل الفيلم الشهير (All thePresident's Men) لقد علم "آرون سوكرين" كل شئ بشأن كتابة الأفلام.

تدور أحداث فيلم (butch cassidy and the sundance kid) حول شخصين إعتادا السطو على القطارات، وهم بارعون فيما يقوموا بهم، يسرقان القطار ويلقيان النكات ويهربان بالغنائم إلى حيث يختبئان فترة وجيزة ومن ثم يعيدون الكرة.. كان كل شيء يسير على ما يرام حتى هذه المرة.. بعد أن فرغا من السرقة وهموا بالهرب ظهر قطار آخر وبه هؤلاء الرفاق الذين سوف يتعقبونهم.. سوف يطاردونهم إلى الأبد.. كان هذا هو الهدف وتلك هي العقبة.

ينصحنا "سوركين" بمشاهدة الفيلم الرائع لنرى كيف خلق الكاتب أهداف الأبطال وكيف صنع العوائق والمآزق المختلفة.. وفي النهاية كيف سوف يتابع الأبطال رحلة هروبهم المريرة.


إلى هنا تنتهي إرشادات الكاتب "آرون سوركين" وفيما يلي نرصد الأهداف والعوائق في أحد علامات السينما العربية وهو فيلم "الأرض"، مأخوذ عن رواية الكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي، وكتب السيناريو حسن فؤاد ومن إخراج العظيم يوسف شاهين.


عن الأهداف والعقبات في فيلم "الأرض":

في فيلم الأرض المشهد الإفتتاحي يفصح فيه بطل الفيلم مع شخصية مساندة عن كل شيء.. الهدف والعائق، الدوافع والأفعال والمصير.

يبدأ الفيلم بلقطة مقربة من يد فلاح مصري يتفحص الأرض اليابسة العطشة بأصابعه ويتخير فرع ضعيف من نبتة خضراء يقطف منه ورقة ويقود عدستنا إلى وجهه.. العجوز الصلب المهموم.. هناك شيء يثقل كاهله ويشغل باله.

ثم ننتقل إلى مشهد يستعرض مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تمتد حتى الأفق.

عدد من شباب النواصي يعبثون مع المارة ويبدو أنهم (بلا شغلة ولامشغلة) فتمر خضرة (وهي فتاة لعوب) تحمل جرة فوق رأسها لتخبرنا بشكل مبدئي من هؤلاء الفتية: ’’هؤلاء عاطلين بلا عمل أو كرامة‘‘.

يصر الفتية على معاكسة خضرة التي تتركهم وترحل عنهم، حتى تجذبهم عربة حنطور تخترق الطريق أمامهم على غير العادة، يتقافزون في مرح عبثي ويلاحقون العربة حتى يتمكن عدد منهم من "الشعبطة" والصراخ مع الراكبين..

ركاب العربة هم الحاج محمود وهو شيخ أزهري، وإبنه ذو العشرة أعوام، يزجرهم الشيخ وينهرهم فيقفزون من العربة.

يقول الشيخ لأبنه:

’’دول من أهل البلد اللي سابوا الفلاحة وراحوا مصر منفعوش هناك.. جحدوا الأرض فجحدتهم.‘‘ (إذن هذا مصير كل من يبيع أرضه أو يتركها)

هكذا نعرف مصير من يترك أرضه، سيفترش قارعة الطريق "يرازي في خلق الله" ويتلقى الشتائم والإهانات من الجميع.. أمر لا يقبله أصحاب الكرامة.

تقود العربة الحنطور كاميرا شاهين لنستعرض أراضي البلد.. أهل هذه البلدة لا يفعلون شيء في حياتهم سوى الزراعة.. تتابع الكاميرا عربة الحنطور الذي يمر من أمام بطل فيلمنا محمد أبو سويلم بينما هو عاكف على العمل بالأرض.

يترك أبو سويلم فأسه ويتحرك ليرحب براكب الحنطور وإبنه، ليدور حوار بينهم يشرح لنا الحبكة الرئيسية والأبطال والهدف والعائق.. في حوار مجمل قصير وفي المشهد الثالث من الفيلم:

أبو سويلم: أهيه ماشية لحد القطن ما يطلع (هدف البطل)

الحاج: طب وبعد ما يطلع ؟

ابو سويلم: يطلع إزاي يا حاج هي الأرض لاقيه تشرب (عائق رقم (1))

الحاج: ليه هي نوبة المياة مش عشرة أيام.

أبو سويلم: يا حاج .. هما عشرة أيام هيكفوا البلد دي كلها ! (عائق رقم (2)

الحاج: طب ما تكلموا العمدة ومحمود بك (هما معاً البطل الضد)

أبو سويلم: هو الفلاح يا حاج يقدر ياخد حقه من عمدة ولا بك (نواة للصراع)

الحاج: ياما جرى لك قبل كده وإحتملت.. هتفضل على طول عمرك رافع راسك يا أبو سويلم.. (أبو سويلم بطل الصراع وهو لا يستسلم بسهولة)

أبو سويلم: آمين يا رب العالمين

يعود الحاج مصطحباً إبنه إلى الحنطور. يعود أبو سويلم إلى الغيط.

الحاج: (محدثاً إبنه بصوت خفيض) الراجل أبو سويلم ده مش هيجبها لبر أبداً. بيحفر قبره بإيده وآخرته وحشة.

في الجمل الحوارية السابقة وضع المؤلف كل شيء أمام المشاهدين بدءاً من البطل وطبيعته العنيدة. ثم الهدف (جمع محصول القطن) والعائق (نوبة الري عشرة ايام لا تكفي أن تسقي جميع أراضي البلدة ) ثم الأعداء / البطل الضد (العمدة ومحمود بك)،  وبشهادة الحاج نعرف أن البطل أثبت من قبل قدرته على مواجهة الصعاب، وأخيراً.. مثلما نعرف مصير الأبطال في الأساطير الإغريقية يخبرنا الكاتب على لسان الشخصية نبؤة سوف تتحقق في نهاية الفيلم بمصير البطل الذي يصل إلى درجة المأساة.


تعليقات